الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، كقريش في بدر وغيرهم، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا، وقيل المراد في الآخرة، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل {ولا تِحسبن} بكسر التاء، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس {تَحسَبن} بفتح التاء من فوق وبفتح السين، وقرأ الأعمش {ولا يَحسَب} بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى {ولا يحسِبنّ} بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة {ولا يحسبْنَ} بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد، ويكون {قوله الذين كفروا} مفعولًا أولًا و{سبقوا} مفعولًا ثانيًا، وإما أن يكون {الذين كفروا} هم الفاعلون، ويكون المفعول الأول مضمرًا و{سبقوا} مفعول ثان، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، وإما أن يكون {الذين كفروا} هو الفاعل وتضمر {أن} فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين، قال الفارسي: ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال: {أفغير الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] التقدير أن أعبد.قال القاضي أبو محمد: ونحوه قول الشاعر: [الطويل] قال أبو علي: وقد حذفت {أن} وهي مع صلتها في موضع الفاعل، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك: [الطويل] وقرأ ابن عامر وحده من السبعة {أنهم لا يعجزون} بفتح الألف من {أنهم}، ووجهه أن يقدر بمعنى لأنهم لا يعجزون أي لا تحسبن عليهم النجاة لأنهم لا ينجون، وقرأ الجمهور {يعْجزون} بسكون العين، وقرأ بعض الناس فيما ذكر أبو حاتم {يعَجّزون} بفتح العين وشد الجيم، وقرأ ابن محيصن {يعجزونِ} بكسر النون ومنحاها يعجِزوني بإلحاق الضمير، قال الزجّاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على المعنى أنهم لا يعجزونني، وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين، كما قال الشاعر: [الوافر] قال القاضي أبو محمد: البيت لعمرو بن معد يكرب وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة: [الكامل] هذا يجوز على الاضطرار، فقال قوم حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها موضع الإعراب، وقال أبو العباس المبرد: أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية، وهكذا كان يقول في بيت عمرو بن معد يكرب، وفي مصحف عبد الله: {ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا أنهم لا يعجزون} قال أبو عمرو الداني بالياء من تحت وبغير نون في يحسب.قال القاضي أبو محمد: وذكرها الطبري بنون. اهـ.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ولا يحسبنّ بالياء أي {ولا يحسبن} الرسول أو حاسب أو المؤمن أو فيه ضمير يعود على من خلفهم فيكون مفعولًا يحسبنّ {الذين كفروا وسبقوا} القراءة باقي السبعة بالتاء خطابًا للرسول أو للسامع وجوّزوا أن يكون في قراءة الياء فاعل {لا يحسبنّ} هو {الذين كفروا} وخرج ذلك على حذف المفعول الأوّل لدلالة المعنى عليه تقديره أنفسهم سبقوا وعلى إضمار أن قبل سبقوا فحذفت وهي مرادة فسدّت مسدّ مفعولي {يحسبنّ} ويؤيّده قراءة عبد الله أنهم سبقوا، وقيل التقدير ولا تحسبنهم {الذين كفروا} فحذف الضمير لكونه مفهومًا وقد ردّدنا هذا القول في أواخر آل عمران، وعلى أنّ الفاعل هو الذين كفروا خرّج الزمخشري قراءة الياء وذكر نقل توجيهها على حذف المفعول إما الضمير وإما أنفسهم وإما حذف أن وإما أنّ الفعل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة وسبقوا في موضع الحال يعني سابقين أو مفلتين هاربين وعلى {ولا تحسبن} قتيل المؤمنين الذين كفروا سبقوا ثم قال وهذه الأقاويل كلّها متمحلة وليست هذه القراءة التي تفرد بها حمزة بنيرة انتهى، ولم يتفرّد بها حمزة كما ذكر بل قرأ بها ابن عامر وهو من العرب الذين سبقوا اللّحن وقرأ علي وعثمان وحفص عن عاصم وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى والأعمش، وتقدم ذكر توجيهها على غير ما نقل مما هو جيّد في العربية فلا التفات لقوله وليست بنيرة وتقدّم ذكر في فتح السين وكسرها في قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء} وأما قوله: وقيل وقع على أنهم لا يعجزون على أن لا صلة فهذا لا يتأتى على قراءة حمزة لأنه يقرأ بكسر الهمزة ولو كان واقعًا عليه لفتح أن وإنما فتحها من السبعة ابن عامر وحده واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم قراءة ابن عامر ولا استبعاد فيها لأنها تعليل للنهي أي لا تحسبنّهم فائتين لأنهم لا يعجزون أي لا يقع منك حسبان لفوتهم لأنهم لا يعجزون أي لا يفوتون، وقرأ الأعمش ولا يحسب بفتح السين والياء من تحت وحذف النون وينبغي أن يخرج على حذف النون الخفيفة لملاقاة الساكن فيكون كقوله: وقرأ ابن محيصن لا تعجزوني بكسر النون وياء بعدها، وقال الزجاج: الاختيار فتح النون ويجوز كسرها على أن المعنى أنهم لا يعجزونني وتحذف النون الأولى لاجتماع النونين كما قال الشاعر: البيت لعمرو بن معدي كرب، وقال أبو الحسن الأخفش في قول متمم بن نويرة: فهذا يجوز على الاضطرار فقال قوم: حذف النون الأولى وحذفها لا يجوز لأنها في موضع الإعراب، وقال المبرّد أرى فيما كان مثل هذا حذف الثانية وكذا كان يقول في بيت عمرو، وقرأ طلحة بكسر النون من غير تشديد ولا ياء، وعن ابن محيصن تشديد النون وكسرها أدغم نون الإعراب في نون الوقاية وعنه أيضًا بفتح النون وتشديد الجيم وكسر النون، قال النحاس: وهذا خطأ من وجهين أحدهما إنّ معنى عجزه ضعفه وضعف أمره والآخر أنه كان يجب أن يكون بنونين انتهى، أما كونه بنون واحدة فهو جائز لا واجب وقد قرئ به في السبعة وأما عجزني مشدّدًا فذكر صاحب اللوامح أن معناه بطأ وثبط قال وقد يكون بمعنى نسبني إلى العجز والتشديد في هذه القراءة من هذا المعنى فلا تكون القراءة خطأ كما ذكر النحاس. اهـ.
|